معركة القادسية وكل ما يجب ان تعرفه عنها - متع عقلك للعلم والمعرفه .post-outer {-webkit-touch-callout:none; -webkit-user-select:none; -khtml-user-select:none; -ms-user-select:none; -moz-user-select:none;}

Breaking

متع عقلك للعلم والمعرفه

متع عقلك للعلم والمعرفه والتعلم ومنوعات اخري تهدف الي العلم

Post Top Ad

الأحد، 22 مارس 2020

معركة القادسية وكل ما يجب ان تعرفه عنها




معركة القادسية
محرم 14 هجري- 636 م.
          دولة الفرس: كانت من الإمبراطوريات العظمى، كان الإسكندر المكدوني قد مزق شمل دولتهم، لكنهم أعادوا مجدهم على يد ملكهم أردشير بن بابك، أقام دولة المدائن، أو كما يطلق عليه العرب: دولة الأكاسرة. وقد تتالى الملوك على عرش كسرى، وكان آخرهم يزد جرد بن شهريار(1). وكان الصراع بين الإمبراطوريتين الفارسية والرومانية سجالاً، وقد عرض القرآن الكريم هذا الصراع، وبشر بنهايته، واستبق نتائجه، بهدف حث الناس على الإيمان والتصديق بما أنزل من السماء، قال تعالى: {آلم (1) غُلبت الروم (2) في أدنى الأرض وهم من بعد غُلبهم سيغلبون (3) في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون4} (3).

          وكان الرسول صلى الله عليه وسلم قد بعث إلى كسرى ابرويز -ملك الفرس- يدعوه إلى الإسلام بواسطة سفير المسلمين عبد الله بن الحذافة.

          نص الرسالة:
          " بسم الله الرحمن الرحيم , من محمد رسول الله، إلى كسرى عظيم فارس، سلام على من اتبع الهدى، وآمن بالله ورسوله، وشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، أدعوك بدعوة الإسلام، فإني رسول الله إلى الناس كافة لينقذ من كان حيا ويحق القول على الكافرين، أسلم تسلم، فإن أبيت فعليك إثم المجوس. (4)
          وكان جواب كسرى الغضب الشديد ومزق الرسالة. نلاحظ هنا أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم يخاطب كسرى بلهجة تصاعدية، ويترك له الخيار، وكسرى ملك الفرس لم يعتد على هذه اللهجة، وخاصة من العرب.

           أرسل سعد بن أبي وقاص إلى يزدجر ملك الفرس برسالة بأمر من عمر فقالوا له : "أيُّها الملك؛ إنَّ الله رحمنا، فأرسل إلينا رسولاً يدلنا على الخير، ويأمرنا به.. ثم أمرنا أن نبدأ بمن يلينا من الأمم فندعوهم إلى الإنصاف، ونحن ندعوكم إلى ديننا، فإن أبيتم؛ فالجزية، فإن أبتم، فالقتال بيننا وبينكم."
          فقال يزدجر: "إني والله لا أعلم في الأرض أمة كانت أشقى ولا أقل عدداً منكم، فقد كنا نوكل بكم قرى الضواحي، فيكفوننا غاراتكم، فإن كان غرور لحقكم فلا يَغـُـرنكم ذلك منا، وإن كان الفقر والجوع دعاكم؛ فرضنا لكم قوتا يكفيكم، وأكرمنا وجوهكم، وكسوناكم، وملّكنا عليكم ملكًا يترفق بكم".(5)

أسباب المعركة :-
1.                 سبقت معركة القادسية عدة معارك بين الطرفين، فقد أذاقهم الفارس البطل خالد بن الوليد شر الهزائم في "ذات السلاسل" و "المذار" و"الولحة" و"أليس" و "ذات العيون" و و"دولمة" و"الجندل" و "الحصيد" و "الثني" و "الزميل"... وكلها معارك انتهت بهزيمة الفرس، أما في معركة الجسر فقد خسر الجيش الإسلامي بقيادة "أبو عُبَيدٍ الثقفي" الذي استشهد تحت اقدام الفيلة، واستشهد معه 4000 محارب .
سُميت هذه المعركة بالجسر، لأنه كان بينهم وبين الفرس جسر، وكان نهر الفرات بين الجيشين، فقال جاذويه -قائد جيش الفرس- :"إما أن تعبروا إلينا وندعكم والعبور، وإما أن تدعونا نعبر إليكم".فقال أبو عبيد: "لا يكونون أجرأ على الموت منا، بل نعبر إليهم"(6). رغم تجربة أبي عبيد إلا إنه وقع في خطأ استراتيجي من ناحية عسكرية، لأن المسلمين يُمكِّنون عدوهم من العبور، أما عدوهم فيخون الأمانة. ومع ذلك؛ فلم تأثر الخسارة في موقعة الجسر على معنويات المسلمين، فكانت معركة البويب بقيادة المثنى بن حارثة الذي ألحق بهم الهزيمة النكراء، وقتل قائدهم مهران، وقد رفض المسلمون عبور الجسر هذه المرة (7).
2.                 كانت تسري في أرجاء فارس ثورة ترمي إلى إخراج العرب من الأرضي العراقية، فقد استطاع الملك الجديد يزدجر بن شهريار -آخر ملوك الأسرة الساسانية- إن يبث روح التعصب وطرد العرب من بلادهم. (8)
3.                 رغبة المسلمين بنشر الدين الإسلامي.
4.                 توقع استيلاء المسلمين على الممتلكات والثروات في بلاد فارس الغنية.(9)
5.                 كان للفرس اليد الطولى في نشر الفوضى والتمرد في الدولة الإسلامية الفتية.
6.                 الحماس الشديد الذي أبداه الخليفة الجديد عمر بن الخطاب لقتال الفرس حتى أراد بنفسه أن يقاتلهم، وفعلاً قد عين مكانه علي بن أبي طالب، لكن أصحابه أشاروا إليه بالبقاء في المدينة لشدة خوفهم عليه.(10)
المعركة
           نزل سعد بن أبي وقاص القادسية مدة شهر، فلم يرَ أحداً من الفرس، واجتمع رأي الفرس على رستم(11)، صاحب الرأي النافذ في المملكة ليقودهم، بلغ عدد جيش الفرس 120 ألف مقاتل، ومعهم 33 فيلاً، منها فيل أبيض(12). وقيل إن هذا الرقم مبالغ فيه؛ أي عددهم ما بين 40- 30 ألفاً، وبلغ عدد جيش المسلمين قرابة السبعة آلاف، وقيل أكثر. دامت المعركة ثلاثة أيام، اليوم الأول يسمى"أرماث"، واليوم الثاني: أغواث، واليوم الثالث يسمى "عمواس".
          يقول ابن كثير: "فاقتتلوا حتى كان الليل، فتحاجزوا، وقد قتل من الفريقين بشر كثير، ثم أصبحوا إلى مواقفهم، فاقتتلوا يومهم ذلك وعامة ليلتهم، ثم أصبحوا كما أمسوا على مواقفهم، فاقتتلوا حتى أمسوا، ثم اقتتلوا قتالا شديدا،ً وقد قاسوا من الفيلة بالنسبة إلى الخيول العربية بسبب نفرتها منها أمراً بليغاً، وقد أباد الصحابة الفيلة ومن عليها، وقلعوا عيونها، وقد أبلى جماعة من الشجعان في هذه الأيام مثل طليعة الأسدي، وعمرو بن معدى كرب، والقعقاع بن عمرو، وخالد بن عرفطة.. فلما كان الزلزال من هذا اليوم ويسمى يوم القادسية، هبت ريح شديدة، فرفعت خيام الفرس عن أماكنها، وألقت سرير رستم، فركب بغلته وهرب، فأدركه المسلمون فقتلوه، وقتلوا الجالينوس مقدم الطلائع القادسية، فانهزمت الفرس، وفر الفرس يومئذ بكاملهم وكانوا ثلاثين ألفاً، وقتل في المعركة عشرة آلاف منهم، وقتل من المسلمين ألفان وخمسمائة"(13).
 ثم تابع جيش المسلمين ملاحقة فلول الفرس حتى حاصر عاصمتهم المدائن لمدة شهرين واستولى عليها(14، وسقطت الغنائم التي تحدثت عنها الروايات بالعجائب، وخاصة أنهم دفعوا الأرواح ليصلوا إلى المدائن عاصمة الفرس.(15)
          بموت رستم وهرب الملك يزدجر إلى حلوان وسقوط عاصمتهم باتت المملكة الفارسية بقبضة المسلمين.(16)
نتائج المعركة:-
1.                 انتصار جيش المسلمين.
2.                 تكبد المسلمين أيضاً الخسائر البشرية، حتى أنهم في بادئ الأمر فكروا أن يدعو العدو ينسحب آمناً.
3.                 انكسار معنويات الفرس، ومزق الله شملهم كما طلب الرسول صلى الله عليه وسلم من الله.

4.                 غنم الفاتحون غنائم كبيرة.(18) وجدوا بين أيديهم من الغنائم ما لم يروا من قبل، فكان لكل مقاتل نصيب عظيم. (19)

أسباب انتصار المسلمين:
1.                 حرارة إيمان المسلمين، وحماسهم لنشر الدين.(20)
2.                 ضعف مملكة فارس بسبب حكم النساء، والخلافات الدينية، والحروب مع الروم.
3.                 ملكهم يزدجرد كان في مقتبل العمر(21) ضعيف الخبرة والرؤية الإستراتيجية(22) .
4.                 وصول الإمدادات لجيش المسلمين من سوريا، وكانوا بأمس الحاجة إليها أمام جيش الفرس الجرار.
5.                 انشغال ملك الفرس بالتنجيم بدل التخطيط العسكري.
6.                 نجح سعد بن أبي وقاص في التعامل مع الفيلة والتي كانت بمثابة سلاح العصر في حينه وقد أخافت المسلمين، وفرقت الكتائب، وأخافت الخيل، أشار سعد إلى عاصم بن عمرو "الذي نادى" يا معشر الرعاة، ذبوا ركبان الفيلة عنهم بالنبل، يا معشر أهل الثقافة استدبروا الفيلة فاقطعوا وضنها".. فما بقي لهم يومئذ فيل إلا أعري وقتل أصحابها.(23)
7.                 براعة سعد بن أبي وقاص، كتب ابن كثير: "كانت وقعة القادسية وقعة عظيمة، لم يكن بالعراق أعجب منها. لما تواجه الصفان؛ كان سعد رضي الله عنه قد أصابه عرق النسا ودمامل في جسده، فهو لا يستطع الركوب، إنما هو في قصر متكئ على صدره فوق وسادة وهو ينظر إلى الجيش ويدبر أمره، وقد جعل أمور الحرب إلى خالد بن عرفطة".(24) وقد حرص سعد أن يكاتب الخليفة عمر بن الخطاب يومياً، يعلمه بخطط الفرس، ويستشيره، وحرص على توجيه جنده، وبالرغم من كونه قعيد الفراش، إلا أن صدى حماسه وروحه القتالية وإيمانه الكبير؛ خيم على ساحة المعركة. فللقائد حصة الأسد في النصر.
8.                 اكتساب المسلمين الخبرة العسكرية من خلال الحروب التي خاضوها مع الفرس وحروب الردة.
9.                 عدم حماس ورغبة رستم في القتال، فقد راسل سعد عدة مرات بهدف وقف القتال، ربما لمعرفته ببسالة المسلمين من الأيام الأولى.
10.            استخدم سعد بن أبي وقاص العيون لتقصي أخبار الفرس وحركات جيوشهم.(25)
11.            لم تكن القادسية المعركة الأولى بين الطرفين، بل سحقهم المسلمون في جميع المعارك ما عدا معركة الجسر، الأمر الذي سهل على المسلمين معرفة أسلوبهم في القتال والتفكير الحربي.
12.            عمر بن الخطاب، الخليفة المسلم ودوره في محاربة الفرس من خلال إرساله المدد والعون، والمشاركة في اختيار القادة، ونصحه للمسلمين، وحثهم على القتال، وإيمانه بنصر الله. أرسل كتابه يقول:" أما بعد فتعاهد قلبك، وحادث جندك بالموعظة والنية الحسنة، والصبر الصبر، فإن الموتة تأتي من الله على قدر النية، والأجر على قدر الحسنة.. وأكتب إليّ أين بلغك جمعهم من رأسهم الذي يلي مصادمتكم... ".
فكان الخليفة حريصاً على النصر وقلقاً على جيش المسلمين في أخطر معارك التاريخ.

أبعاد المعركة :
1.                 أثبتت هذه المعركة مرة أخرى أن الله قادر على نصر جنده، رغم قلة عددهم أمام الأرقام الخيالية من جند الفرس. وإن اختلفت المصادر التاريخية حول عدد جنود الطرفين، إلا أنها تتفق جميعاً على أن الفرس كانوا أضعاف أضعاف المسلمين .
2.                 صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما دعا الله أن يمزق شمل دولة الفرس، بعد أن مزق كسرى رسالته إليه التي يدعوه فيها إلى الإسلام.
3.                 لم ينتهِ أمر دولة الفرس بنصر المسلمين في القادسية، وهروب ملكهم، ومقتل رستم، لأن يزدجر لملم شمل جنده المبعثر بعد أربع سنين، فجمع ستين ألف مقاتل لملاقاة المسلمين، فاشتبك الطرفان في معركة فاصلة في نهاوند 21 هـ. فعرفت بفتح الفتوح، وانتهت بالنصر للمسلمين. (26)
4.                 أقام المسلمون المدن والمساجد إشارة إلى أن احتلالهم للبلاد يحمل طابع الاستمرار والاستقرار(27)، وليسوا عابري سبيل، أو مقاتلون من أجل القتال أو الغنائم، إنما لديهم رسالة شاملة لأهل البلاد.
5.                 التقيد بتعليمات الخليفة، وعدم الإندفاع في الفتوحات حرصاً على أرواح المسلمين، ولتأكيد النصر.
6.                 صعود نجم دولة الإسلام عالمياً بعد فوزهم على الفرس والروم معاً .
7.                 بسالة الجندي المسلم، مقابل جنود قادة الفرس: رستم قائد الفرس يفر من المعركة، يختبئ خلف بغلة، فلما لمحه هلال بن علقمة، بارزه حتى قتله وأعلن: "قتلت رستم ورب الكعبة".(28)
وكان لمقتل رستم أثر كبير في حسم المعركة، فتدافع الفرس هرباً، وغرق الكثير منهم، وقتل الآلاف منهم في طريقهم للهرب.
8.                 هي أول دولة تسقط معظم أجزاؤها تحت وطأة سيوف المسلمين، وهي غير عربية.
9.                 معجزة! كيف استطاع العرب سحق إمبراطورية عظيمة لها تاريخها ومجدها وحضارتها وهم دولة فتيه في طور التكوين؟!!
10.            دانت القبائل العربية في العراق بالإسلام، وكان من السهل الانتقال إلى الحكم الإسلامي، لأن أصولهم ولسانهم عربي(29)، وخاصة في ظل الظلم والذل الذي تلقوه من الفرس.
11.            كان لوقع النصر أثرٌ كبير في نفوس المسلمين في المدينة، وعلى قلب أمير المؤمنين الخليفة عمر بن الخطاب.
12.            سواري كسرى: قد وعد النبي صلى الله عليه وسلم سراقة بن مالك عندما تتبعه وقت الهجرة بسواري كسرى، كي يعود من حيث أتى. من يتأمل الوعد، يستغرب هذا النبي المطارد، يعد بسواري كسرى ملك فارس، تلك الإمبراطورية العملاقة! مع دخول المسلمين إلى المدائن تحقق وعد الله ورسوله الكريم، وتلك معجزة كبيرة، لا يسع العقل إلا التأمل بها.
13.            ظهرت بسالة الفرسان الأسطورية، من بينهم: القعقاع بن عمرو الذي كان له الأثر في حسم المعركة، كان يقول: "يا معشر المسلمين؛ باشروهم بالسيوف، فإنما يُحصد الناس بها"(30). وعاصم بن عمرو قال: " يا معشر العرب، إنكم أعيان العرب، وقد صمدتم لأعيان من العجم، وإنما تخاطرون بالجنة، ويخاطرون بالدنيا، فلا يكونن على دنياهم أحوط منكم على آخرتكم، لا تحيوا اليوم أمرا تكونون به شيئا على العرب غداً" (31) , وأبي مجن الذي كان مسجوناً وقاتل سراً، وعاد إلى أسره بعد أن قاتل ببسالة يقول: (32)
كفى حزناً أن تردي الجند بالقنا       واتــرك مشــــدوداً عـــــلي وثاقيا
إذا قمت عَنـَّاني الحــديد وأغلقت       مصاريعُ دونـــي قد تُصم المناديا
وقـــد كنت ذا مــال كثير وإخوةٍ         فــقــد تـــركوني واحداً لا أخا ليا
ولله عـهــدٌ لا خــــيــس بـــعهده        لئن فرجت  أن لا  أزور الحوانيا

قال طليحة بن خويلد:
طرقت سليمى أرحل الركب         إنـي اهتديت بسبب سهب
إنــــي كلفت ســــلام بعدكم          بالغارة الشعـواء والحرب
لو كنت يــــــوم القادسية إذ          نـــازلــتهم بمهند عـضب
أبصرت شداتي ومنصرفي          وإقامتي للطعن والضرب (33)

وقال زهير بن عبد شمس بن عوف اليجلي :-
أنا زهير وابـــن عـبـد شمس          أرديت بـالسيف عظيم الفرس
رســـــتم ذا النخـوة والدمــس         أطعت ربي وشفيت نفسي (34)

كذلك الخنساء التي فقدت أولادها الأربعة في معركة القادسية.

14.             الانتصار المحيّر: انتصر المسلمون بالرغم من أنهم جابهوا الروم والفرس في القادسية واليرموك معاً، وأن قادة المسلمين أقل خبرة من قادة الفرس، وأقل منهم عتاداً وجنداً، ومعرفة بتضاريس البلاد هنالك. العرب لم يبحثوا عن دولة ضعيفة ليحققوا النصر عليها، بل جابهوا أعظم الدول. انتصار العقيدة كان سريعاً وجذوره ضاربة باعتناق أهل الفرس للدين الإسلامي. (35)
15.            كانت القادسية أشد المعارك التي خاضها المسلمون في تاريخهم، لأن الفرس قاوموا، فقد دافعوا عن أوطانهم، بعكس الروم الذين دافعوا عن مستعمراتهم(36). وتعلمنا هذه المعركة: أنه ليس من السهل أن يشاهد شعب حضارته تتهشم، ودولته تتوارى خلف الشمس القادمة من بعيد، تتمزق إرباً ويطفئ نور دينه، يذل جنده، ويقف مكتوف الأيدي .


معركة القادسية وسام على صدر التاريخ
          لم يعرف التاريخ البشري معركة أشد ضراوة من القادسية، تواصل النهار والليل، استعملت الفيلة، وخطط عسكريةجديدة، والقتال في النهر.. اشترك فيها خيرة القادة من الطرفين، نتيجتها كانت حتماً ستؤثر على الدولة الإسلامية وعلى مكانة الخليفة عمر بن الخطاب، وعلى مصير بلاد فارس. كانت القادسية منازلة بين حضارتين، قوميتين، عقيدتين، دوليتين.. فكانت اليد العُليا للمسلمين، رغم أن عدد جنود فارس فاق 120.000 مقاتل، مجهزين مدربين، خاضوا المعارك مع الروم والعرب. مقابل40.000 مقاتل مسلم, لا يحملون سوى الإيمان والحماس الشديد في قلبهم، ولم يكن النصر بالهين، فقد خسر المسلمون خمس جيشهم (8000 مقاتل) وخسر الفرس ثلث جيشهم (40.000) . لم يكتف المسلمون بنصر القادسية، بل طاردوا فلول الفرس في كل مكان، ومن مدينة إلى مدينة، ومن ثغر إلى ثغر، ملحقين بهم الهزائم . ومما عقّد الأمور هنالك: التضاريس الجغرافية لبلاد الفارس، فقد أثقلت على المسلمين، وكانت ورقة جيدة لصالح الفرس، فهي بلادهم، يعرفونها خطوة خطوة. وبسالة سعد بن أبي وقاص الذي أسلم في السنة الرابعة من الإسلام وكان عمره 17 عاماً، ومن العشر المبشرين بالجنة، أحبه الرسول صلى الله عليه وسلم، ورغم أنه لم يكن بمستوى خبرة وقيادة رستم، ورغم أن المرض أقعده، لكن الإيمان كان يملأ صدره، فنجح في بث روح القتال والفداء والتضحية في نفوس جنده، وبث روح الرعب في صدور جند الفرس.
          إنَّ سقوط مملكة فارس لم يكن يشبه بأي حال سقوط الممالك العربية بأيدي المسلمين، فهي إمبراطورية عظيمة، وإرث حضاري هام، وعدد كبير من سكان البلاد والخاضعين لها، ومساحات شاسعة من الأرض الغنية، وثروات عجيبة. وقد استفاد العرب والمسلمون من خبرة الفرس الإدارية، وخاصة في الوزارات والدواوين، وقد تعزز الإسلام بدخول أهل فارس إلى دين محمد صلى الله عليه وسلم. بهذا كانت معركة القادسية معركة مزلزلة، تمزقت بها كل المعادلات القديمة، وكل التوقعات العسكرية، والميدانية، فكانت مفترقاً مصيرياً في التاريخ البشري .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Post Top Ad